صفحات منسية

وفاة أبي القاسم الطبراني

م 28 ذي القعدة / 360هـ

المكان/ أصبهان .

 

ترجمته /


هو الإمام الحافظ الثقة الرحال الجوال محدث الإسلام علم المعمرين أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي الطبراني صاحب المعاجم الثلاثة مولده بمدينه عكا في شهر صفر سنة ستين ومائتين وكانت أمة عكاوية وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين وارتحل به أبوه وحرص عليه؛ فإنه كان صاحب حديث من أصحاب دحيم، فأول ارتحاله كان في سنة خمس وسبعين فبقي في الارتحال ولقي الرجال ستة عشر عاما وكتب عمن أقبل وأدبر وبرع في هذا الشأن وجمع وصنف وعمر دهرا طويلا وازدحم عليه المحدثون ورحلوا إليه من الأقطار لقي أصحاب يزيد بن هارون وروح بن عبادة وعبد الرزاق ولم يزل يكتب حتى كتب عن أقرانه .
سمع من هاشم بن مرثد الطبراني وأحمد بن مسعود الخياط وسمع بطبرية من أحمد بن عبد الله اللحياني صاحب آدم وبقيساريه من عمرو بن ثور وإبراهيم بن أبي سفيان صاحبي الفريابي وسمع نحو ألف شيخ أو يزيدون .
وروى عن أبي زرع الدمشقي وعلي بن عبد العزيز البغوي المجاور وأحمد بن داود البصري ثم المكي وإبراهيم بن محمد بن بزة الصنعاني والحسن بن عبد الأعلى البوسي أصحاب عبد الرزاق وأبي الزنباع روح بن الفرج القطان وعبد الله بن أحمد بن حنبل وعبد الرحيم بن عبد الله البرقي سمع منه السيرة وعلي بن عبد الصمد وإسحاق بن إبراهيم المصري القطان وإدريس بن عبد الكريم الحداد وعثمان بن عمر الضبي ومحمد بن يحيى ابن المنذر القزاز صاحب سعيد بن عامر الضبعي ومحمد بن أسد بن يزيد الأصبهاني حدثه عن أبي داود الطيالسي وأبي عبد الرحمن النسائي وسمع بالحرمين واليمن ومدائن الشام ومصر وبغداد والكوفة والبصرة وأصبهان وخوزستان وغير ذلك ثم استوطن أصبهان وأقام بها نحوا من ستين سنة ينشر العلم ويؤلفه وإنما وصل إلى العراق بعد فراغه من مصر والشام والحجاز واليمن وإلا فلو قصد العراق أولا لأدرك إسنادا عظيما .
حدث عنه أبو خليفة الجمحي والحافظ ابن عقدة وهما من شيوخه وابن منده وأبو بكر بن مردوية وأبو عمر محمد بن الحسين البسطامي وأبو نعيم الأصبهاني وأبو بكر بن أبي علي الذكواني وأحمد بن عبد الرحمن الأزدي والحسين بن أحمد بن المرزبان وخلق كثير آخرهم موتا أبو بكر محمد بن عبد الله بن ريذه التاجر ثم عاش بعده أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي بكر الذكواني يروي عن الطبراني بالإجازة فمات سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وأربعمائة ومات ابن ريذه عام أربعين .
ومن مؤلفاته ‘المعجم الصغير’ في مجلد عن كل شيخ حديث، و’المعجم الكبير’ في ثمان مجلدات وهو معجم أسماء الصحابة وتراجمهم وما رووه لكن ليس فيه مسند أبي هريرة ولا استوعب حديث الصحابة المكثرين، و’المعجم الأوسط’ في خمس مجلدات عن مشايخه المكثرين وغرائب ما عنده عن كل واحد، وكان الطبراني يقول عن الأوسط هذا الكتاب روحي، وقال أبو بكر بن أبي علي سأل أبي أبا القاسم عن كثرة حديثه فقال كنت أنام على البواري _ أي الحَصيرُ المَنْسوجُ _ ثلاثين سنة، قال أبو نعيم قدم الطبراني أصبهان سنة تسعين ومائتين ثم خرج ثم قدمها فأقام بها محدثا ستين سنة، قال سليمان بن إبراهيم الحافظ قال أبو أحمد العسال القاضي إذا سمعت من الطبراني عشرين ألف حديث وسمع منه أبو إسحاق بن حمزة ثلاثين ألفا وسمع منه أبو الشيخ أربعين ألفا كملنا، قال أبو نعيم الحافظ سمعت أحمد بن بندار يقول دخلت العسكر سنة ثمان وثمانين ومائتين فحضرت مجلس عبدان وخرج ليملي فجعل المستملي يقول له إن رأيت أن تملي فيقول حتى يحضر الطبراني قال فأقبل أبو القاسم بعد ساعة متزرا بإزار مرتديا بآخر ومعه أجزاء وقد تبعه نحو من عشرين نفسا من الغرباء من بلدان شتى حتى يفيدهم الحديث، قال أبو بكر بن مردويه في تاريخه لما قدم الطبراني قدمته الثانية سنة عشر وثلاثمائة إلى أصبهان قبله أبو علي أحمد بن محمد بن رستم العالم وضمه إليه وأنزله المدينة وأحسن إليه وجعل له معلوما من دار الخراج فكان يقبضه إلى أن مات، وقد كنى ولده محمدا أبا ذر وهي كنية والده أحمد قال أبو زكريا يحيى بن منده سمعت مشايخنا ممن يعتمد عليهم يقولون أملى أبو القاسم الطبراني حديث عكرمه في الرؤية فأنكر عليه ابن طبا طبا العلوي ورماه بإداوة كانت بين يديه فلما رأى الطبراني ذلك واجهه بكرم وقال في أثناء كلامه ما تسكتون وتشتغلون بما أنتم فيه حتى لا يذكر ما جرى يوم الحرة، فلما سمع ذلك ابن طبا طبا قام واعتذر إليه وندم ثم قال ابن منده وبلغني أن الطبراني كان حسن المشاهدة طيب المحاضرة قرأ عليه يوما أبو طاهر بن لوقا حديث ‘كان يغسل حصى جماره’ فصحفه وقال ‘خصي حماره’ فقال ما أراد بذلك يا أبا طاهر قال التواضع وكان هذا كالمغفل، قال له الطبراني يوما أنت ولدي قال وإياك يا أبا القاسم يعني وأنت، قال ابن مندة ووجدت عن أحمد بن جعفر الفقيه أخبرنا أبو عمر بن عبد الوهاب السلمي قال سمعت الطبراني يقول لما قدم أبو علي بن رستم بن فارس دخلت عليه فدخل عليه بعض الكتاب فصب على رجله خمسمائة درهم فلما خرج الكاتب أعطانيها فلما دخلت بنته أم عدنان صبت على رجله خمسمائة فقمت فقال إلى أين قلت قمت لئلا يقول جلست لهذا فقال ارفع هذه أيضا فلما كان آخر أمره تكلم في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ببعض الشيء فخرجت ولم أعد إليه بعد، قال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي سمعت الأستاذ ابن العميد يقول ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها حتى شاهدت مذاكرة أبي القاسم الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي فكان الطبراني يغلب أبا بكر بكثرة حفظه وكان أبو بكر يغلب بفطنته وذكائه حتى ارتفعت أصواتهما ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه فقال الجمابي عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي فقال هات فقال حدثنا أبو خليفة الجمحي حدثنا سليمان بن أيوب وحدث بحديث فقال الطبراني أخبرنا سليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفة فاسمع مني حتى يعلو فيه إسنادك فخجل الجعابي فوددت أن الوزارة لم تكن وكنت أنا الطبراني وفرحت كفرحه، أنبؤونا عن أبي المكارم عن غانم البرجي أنه سمع عمر بن محمد بن الهيثم يقول سمعت أبا جعفر بن أبي السري قال لقيت ابن عقدة بالكوفة فسألته يوما أن يعيد لي فوتا فامتنع فشددت عليه فقال من أي بلد أنت قلت من أصبهان فقال ناصبة ينصبون العداوة لأهل البيت فقلت لا تقل هذا فإن فيهم متفقهة وفضلاء ومتشيعة فقال شيبة معاوية قلت لا والله بل شيعة علي وما فيهم أحد إلا وعلي أعز عليه من عينه وأهله فأعاد علي ما فاتني ثم قال لي سمعت من سليمان بن أحمد اللخمي فقلت لا لا أعرفه فقال يا سبحان الله أبو القاسم ببلدكم وأنت لا تسمع منه وتؤذيني هذا الأذى الكوفة ما أعرف لأبي القاسم نظيرا قد سمعت منه وسمع مني ثم قال أسمعت مسند أبي داود الطيالسي فقلت لا قال ضيعت الحزم لان منبعه من أصبهان وقال أتعرف إبراهيم بن محمد بن حمزة قلت نعم قال قل ما رأيت مثله في الحفظ قال الحافظ أبو عبد الله بن منده أبو القاسم الطبراني أحد الحفاظ المذكورين حدث عن أحمد بن عبد الرحيم البرقي ولم يحتمل سنة لقيه توفي أحمد بمصر سنة ست وستين ومائتين قلت قد مر أن الطبراني وهم في اسم شيخه عبد الرحيم فسماه أحمد واستمر وقد أرخ الحافظ أبو سعيد بن يونس وفاة احمد بن البرقي هكذا في موضع وأرخها في موضع آخر سنة سبعين في شهر رمضان منها وعلى الحالين فما لقيه ولا قارب وإنما وهم في الاسم وحمل عنه السيرة النبوية بسماعه من عبد الملك بن هشام السدوسي وقد كان أحمد بن البرقي يروي عن عمرو بن أبي سلمه التنيسي والكبار الذين لم يدركهم أخوه عبد الرحيم ثم إننا رأينا الطبراني لم يذكر عبد الرحيم باسمه هذا في معجمه بل تمادى على الوهم وسماه بأحمد في حرف الألف ولهذين أخ ثالث وهو محمد بن البرقي الحافظ له مؤلف في الضعفاء وهو أسن الثلاثة توفي سنة تسع وأربعين ومائتين ومات عبد الرحيم بن عبد الله بن البرقي الذي لقيه الطبراني وزل في تسميته بأحمد في سنة ست وثمانين ومائتين وقد سمعنا السيرة من طريقة وقد سئل الحافظ أبو العباس أحمد بن منصور الشيرازي عن الطبراني فقال كتبت عنه ثلاث مائة ألف حديث ثم قال وهو ثقة إلا أنه كتب عن شيخ بمصر وكانا أخوين وغلط في اسمه يعني ابني البرقي قال أبو عبد الله الحاكم وجدث أبا علي النيسابوري الحافظ سيئ الرأي في أبي القاسم اللخمي فسألته عن السبب فقال اجتمعنا على باب أبي خليفة فذكرت له طرق حديث أمرت أن اسجد على سبعة أعضاء فقلت له يحفظ شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس قال بلى رواه غندر وابن أبي عدي قلت من عنهما قال حدثناه عبد الله بن أحمد عن أبيه عنهما فاتهمه إذ ذاك فانه ما حدث به غير عثمان بن عمر عن شعبة قلت هذا تعنت على حافظ حجة قال الحافظ ضياء الدين المقدسي هذا وهم فيه الطبراني في المذاكرة فأما في جمعة حديث شعبة فلم يروه إلا من حديث عثمان بن عمر ولو كان كل من وهم في حديث واحد اتهم لكان هذا لا يسلم منه أحد قال الحافظ أبو بكر بن مردوية دخلت بغداد وتطلبت حديث إدريس ابن جعفر العطار عن يزيد بن هارون وروح فلم أجد إلا أحاديث معدودة وقد روى الطبراني عن إدريس عن يزيد كثيرا قلت هذا لا يدل على شيء فإن البغاددة كاثروا عن إدريس للينه وظفر به الطبراني فاغتنم علو إسناده وأكثر عنه واعتنى بأمره وقال أحمد الباطرقاني دخل ابن مردوية بيت الطبراني وأنا معه وذلك بعد وفاة ابنه أبي ذر لبيع كتب الطبراني فرأى أجزاء الأوائل بها فاغتم لذلك وسب الطبراني وكان سيئ الرأي فيه وقال سليمان بن إبراهيم الحافظ كان ابن مردوية في قلبه شيء على الطبراني فتلفظ بكلام فقال له أبو نعيم كم كتبت يا أبا بكر عنه فأشار إلى حزم فقال ومن رأيت مثله فلم يقل شيئا قال الحافظ الضياء ذكر ابن مردويه في تأريخه لأصبهان جماعة وضعفهم وذكر الطبراني فلم بضعفه فلو كان عنده ضعيفا لضعفه قال أبو بكر بن أبي علي المعدل الطبراني اشهر من أن يدل على فضله وعلمه كان واسع العلم كثير التصانيف وقيل ذهبت عيناه في آخر أيامه فكان يقول الزنادقة سحرتني فقال له يوما حسن العطار تلميذه يمتحن بصره كم عدد الجذوع التي في السقف فقال لا أدري لكن نقش خاتمي سليمان بن أحمد قلت هذا قاله على سبيل الدعابة قال وقال له مرة من هذا الآتي يعني ابنه فقال أبو ذر وليس بالغفاري ولأبي القاسم من التصانيف كتاب السنة مجلد كتاب الدعاء مجلد كتاب الطوالات مجيليد كتاب مسند شعبه كبير مسند سفيان كتاب مسانيد الشاميين كتاب التفسير كبير جدا كتاب الأوائل كتاب الرمي كتاب المناسك كتاب النوادر كتاب دلائل النبوة مجلد كتاب عشرة النساء وأشياء سوى ذلك لم نقف عليها منها مسند عائشة مسند أبي هريرة مسند أبي ذر معرفة الصحابة العلم الرؤية فضل العرب الجود الفرائض مناقب أحمد كتاب الأشربة كتاب الألوية في خلافة أبي بكر وعمر وغير ذلك وقد سماها على الولاء الحافظ يحيى بن مندة وأكثرها مسانيد حفاظ واعيان ولم نرها ولم يزل حديث الطبراني رائجا نافقا مرغوبا فيه ولا سيما في زمان صاحبة ابن ريذه فقد سمع منه خلائق وكتب السلفي عن نحو مائة نفس منهم ومن أصحاب ابن فاذشاه وكتب أبو موسى المديني وأبو العلاء الهمذاني عن عدة من بقاياهم وازدحم الخلق على خاتمتهم فاطمة الجوزدانيه الميتة في سنة أربع وعشرين وخمس مائة وارتحل ابن خليل والضياء وأولاد الحافظ عبد الغني وعدة من المحدثين في طلب حديث الطبراني واستجازوا من بقايا المشيخة لأقاربهم وصغارهم وجلبوه إلى الشام ورووه ونشروه ثم سمعه بالإجازة العالية ابن جعوان والحارثي والمزي وابن سامة والبرزالي وأقرانهم ورووه في هذا العصر وأعلى بقي من ذلك بالاتصال معجمه الصغير فلا تفوتوه رحمكم الله وقد عاش الطبراني مائة عام وعشرة أشهر قال أبو نعيم الحافظ توفي الطبراني لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة ستين وثلاث مائة بأصبهان ومات ابنه أبو ذر في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة عن نيف وستين سنة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى