عام

النظام الاقتصادي الإسلامي

يمكننا تعريف النظام الاقتصادي بصفة عامة بأنه مجموعة متماسكة من الأفكار والمبادئ تعمل على تسيير أجزاء النشاط الاقتصادي، وتتناسق معا، وتترابط جميعا بما يهيئ لتحقيق أهداف النشاط الاقتصادي على المستويين الكلي والجزئي.

وترتبط نشأة النظام الاقتصادي الإسلامي بظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، فقد جاء الإسلام للبشرية بمنهج متكامل يتناول كافة مجالات الحياة البشرية بالتنظيم والتقنين لقوله تعالى ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)) (38 الأنعام) ولقوله تعالى ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)) (3 المائدة).

والنظام الاقتصادي الإسلامي يقوم على الالتزام بالإسلام منهجا وتطبيقا، ويستمد مبادئه من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مفسرة وموضحة لهذا النظام، وتتبع ذلك مجموعة من الكتابات الفقهية التي تناولت النظام الاقتصادي الإسلامي بالدراسة والشرح واستكمال أحكام المعاملات والنشاط الاقتصادي بصفة عامة. ولم يقف النظام الاقتصادي الإسلامي عند حد الدراسات النظرية، بل قدم نموذجا عمليا للتجربة الاقتصادية الإسلامية في صدر الإسلام، حيث شهدت الدولة الإسلامية تطبيق النظام، تقدم المجتمع باتباع شرع الله وأحكامه بما فيها التعاليم الاقتصادية. وخير دليل على ذلك ما شهته الدولة الإسلامية من رخاء اقتصادي في عهد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، حيث بلغت الدولة الإسلامية من الغنى ما زاد عن حاجات المسلمين حتى أعطوا منه أهل الذمة.

وللنظام الاقتصادي الإسلامي مبادئ تميزه عن النظم الاقتصادية الوضعية المعاصرة، وتؤثر على دوافعه بما يحقق أهدافه الأساسية، وأهم هذه المبادئ ما يلي:

العقيدة الإسلامية: وهي منبع ومنهج الحياة الإسلامية بصفة عامة، والنظام الاقتصادي بصفة خاصة. فالنظام الاقتصادي الإسلامي جزء من عقيدة لا تقبل التجزئة. وأساس هذه العقيدة توحيد الله عز وجل، والإيمان بأن الولاية لله وحده خالق الكون وما فيه، والمالك المطلق له، ورازق مخلوقاته. كذلك تشمل العقيدة الإسلامية الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالحياة الآخرة، وبالثواب والعقاب، مما يجعل سلوك المسلم في حياته اليومية من الأعمال الإيمانية. والفرد المسلم كائن مكلف ومستخلف من الله لتطبق تعاليمه وتعمير الأرض.

الاعتدال والوسطية: من أهم المبادئ التي يقوم عليها النظام الاقتصادي الإسلامي الموازنة بين متطلبات الروح والجسد، فلم يهمل الحاجات المادية للإنسان على حساب التكاليف الدينية والروحية.. بل فرض على الإنسان الاعتدال في سلوكه، فمن مظاهر الاعتدال والتوازن في النظام الإسلامي عدم اعترافه بالحقوق المطلقة ولا بالحريات المطلقة، بل يضع لها الضوابط حتى لا تطغى الاعتبارات المادية على الاعتبارات الأخلاقية فيختل النظام، كما يعمل النظام الاقتصادي الإسلامي على التوفيق بين الدوافع الفردية والمصالح العامة للمجتمع وفي ذلك تنظيم للفطرة البشرية. ويؤكد مبدأ الاعتدال والوسطية في الإسلام قوله تعالى ((وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)) (143 البقرة).

الواقعية والأخلاقية: فالإسلام دين الفطرة، لا ينكر أهمية المادة في حياة البشر، ولذا فقد نظم جوانب النشاط الاقتصادي بما يحقق مصلحة الفرد، ويشبع احتياجاته الذاتية دون الإضرار بالغير. ومن هنا قام النظام الاقتصادي الإسلامي على أساس أخلاقي يستند على مبدأ (لا ضرر ولا ضرار) ومبدأ الإخاء عملا بقوله تعالى ((إنما المؤمنون أخوة)) (15 الحجرات) ومن أهم الدلائل على واقعية النظام الاقتصادي الإسلامي إقراره حق الملكية الفردية بما لا يتعارض مع مصلحة الجماعة.

التكامل والترابط: إن النظام الاقتصادي الإسلامي كل مترابط تتكامل أحكامه، فلا يمكن دراسة حكم اقتصادي دون الربط بينه وبين الأحكام الأخرى لمعرفة مدى تفاعله معها، فتحريم الربا مثلا يرتبط بتحريم الاكتناز، وفرض الزكاة وإقرار حق الملكية الفردية.

العدالة: وهي المبدأ الأساسي الذي يحكم كافة جوانب الحياة البشرية والدعامة أو الركيزة الرئيسية لنظام الاقتصادي الإسلامي. فإذا كان التوحيد هو أساس العقيدة الإسلامية، فإن العدل هو جوهر المعاملات الإسلامية. والعدل أمر واجب على الفرد لقوله تعالى ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان)) ويقوم مبدأ العدالة في النظام الاقتصادي الإسلامي على أساس مفهوم العمل والملكية الفردية والكسب الحلال كأساس لتحقيق الدخل والثروة.

والنظام الاقتصادي الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، فهو لا يرتبط بمرحلة تاريخية معينة من حيث أسسه والمبادئ التي يقوم عليها، أو أشكال بذاتها للإنتاج، ولكنه يختلف باختلاف الزمان والمكان من حيث أسلوب تطبيقه.

ويقوم النظام الاقتصادي الإسلامي على أساس تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في كافة أنواع المعاملات داخل النشاط الاقتصادي. لضمان نجاح هذا التطبيق يستلزم ضرورة:

وجود هيئة علمية تجمع بين رجال الشريعة والاقتصاد لاستنباط بعض الأحكام الشرعية فيما يستجد من أمور داخل النشاط الاقتصادي.

وجود رقابة يقظة من جانب الدولة على تصرفات الأفراد من خلال ممارستهم الفعلية للنشاط الاقتصادي، مع استعداد الدولة لتقويم أي انحراف عن الشريعة وذلك من خلال نظام الحسبة الإسلامي.

وجود رقابة ذاتية من قبل الأفراد على أنفسهم من منطلق الإيمان –بإحياء الضمير الإنساني- في كافة تصرفاتهم الاقتصادية سواء عند اكتساب دخولهم أو عند إنفاقهم لهذه الدخول.

وفي نهاية هذا المقال أو أن أشير إلى أن النظام الاقتصادي الإسلامي مثالي وواقعي وقادر على تحقيق مجتمع الكفاية الذي تحقق في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين، فضلا عن أن النظام الاقتصادي الإسلامي قادر على حل جميعه المشاكل الحالية التي تعاني منها البلاد الإسلامية المعاصرة. لأن النظام الاقتصادي الإسلامي ليس نظاما وضعيا من صنع أحد، ولكنه نظام إلهي من عند الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى هو الأقدر على تقدير المجتمع الإسلامي. فلا بد أن يؤمن كل مسلم بأن الإسلام بصفة عامة والنظام الاقتصادي الإسلامي بصفة خاصة لم يترك صغيرة ولا كبيرة، وجاء بكل ما يحقق أهداف المجتمع بما فيها النمو الاقتصادي والاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وينظم العلاقة بين أفراد المجتمع الإسلامي داخل دائرة النشاط الاقتصادي.

إعداد: الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا

نهدف من خلالها إلى الإسهام في رفع مستوى الفهم والابتكار والابداع في ريادة الأعمال ، وذلك لبناء أجيال واعدة من رواد الأعمال القادرين على الابداع والابتكار في بيئة تنافسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى