موقعة الحرة ـ ثورة المدينة
الزمان / 28 ذي الحجة ـ 63 هـ .
المكان / المدينة النبوية .
الموضوع / جيش الشام بقيادة مسلم بن عقبة يهزم أهل المدينة في معركة شرسة .
الأحداث /
مفكرة الإسلام : بعد وفاة معاوية رضي الله عنه، وكان الجميع متفقين على تولى الأمر بعده ابنه يزيد، ولم يكن على مستوى أبيه ولا في المرحلة العمرية المناسبة لوجود أكابر سادة المسلمين وقتها ابن عمر وابن عباس وابن الزبير والحسين بن علي لذلك نجد أن الكثير لم يكن راضيًا عن خلافة يزيد، ولكنهم آثروا السكوت والسلامة حرصًا على وحدة الصف المسلم، ومنع إراقة الدماء، وقد عانوا من قبل الويلات والويلات في الجمل وصفين، ولكن بقي اثنان لم يبايعها وهما الحسين بن علي، وابن الزبير رضي الله عن الجميع، وقد خرج كليهما من المدينة وأقاما بمكة .
خرج الحسين رضي الله عنه من مكة متوجهًا إلى العراق ظانًا أن أهلها سينصرونه فغروه وتركوه يواجه جيش عبيد الله بن زياد وحده، وانتهى خروجه بنكبة هائلة حيث قتل الحسين وكل أهل بيته عدا ولده زين العابدين وعندا أعلن ابن الزبير خلع يزيد بن معاوية، وبدأ يدعو لنفسه، ويؤلب الناس على يزيد ويذمه ذمًا شديدًا حتى مال إليه أهل مكة والمدينة، ولكنه لم يظهر دعوته بسبب وجود والي قوي على الحرمين هو عمرو بن سعيد الذي لم يشأ أن يهيج الأمر بالحرم، ولكنه شدد قبضته على تحركات ابن الزبير .
قام يزيد بن معاوية بخلع عمرو بن سعيد من ولاية الحرمين، وعيّن مكانه الوليد بن عتبة، ولم يكن أهلا لهذا المنصب فسخط عليه أهل المدينة لانصرافه عن شؤونهم، ثم قام وفد من أهل المدينة في سنة 62 هـ، بزيارة دمشق، ودخلوا على الخليفة يزيد، وكان من ضمن الوفد عبد الله بن حنظلة الغسيل، وعبد الله بن مطيع والمنذر بن الزبير وغيرهم، وقد أجزل عليهم يزيد الأموال والهدايا حتى أنه أعطى لكل واحد منهم مائة ألف درهم، ولكنهم لما عادوا إلى المدينة كان يزيد قد غير والي المدينة وعيّن مكانه عثمان بن محمد، وكان شابًا صغيرًا فاستخف به أهل المدينة وأظهروا شتم يزيد وعيوبه وأشاعوا عليه فعل المنكرات وركوب الحرمات وترك الواجبات، وقام فيهم عبد الله بن مطيع خطيبًا، وقال [قد خلعت يزيدًا كما خلعت عمامتي هذه وألقاها من على رأسه] ثم تابعه الناس، وأخرجوا والي المدينة من بين أظهرهم وقاموا بمحاصرة بني أمية في بيوتهم .
لم يوافق كل من عبد الله بن عمر وعلي زين العابدين، ومحمد بن الحنفية على خلع يزيد، وقام ابن الحنفية بمناظرتهم في دعواهم على يزيد وأظهر بطلانها، ولكن لما كانت القلوب محتقنة من قبل والنفوس على استعداد لتلك الثورة فلمم يسمع منهم أحد وأصروا على خلع يزيد .
قام الأمويون المحاصرون بالمدينة وعددهم ألف رجل بالكتابة بخبر تلك الثورة إلى يزيد بن معاوية في الشام فغضب من ذلك لسابق إحسانه لأهل المدينة وغضب أيضًا من تخاذل الأمويين في الدفاع عن أنفسهم رغم أنهم ألف رجل، وكان النعمان بن بشير رضي الله عنهما موجودًا عند يزيد ساعة وصول الخبر فاستأذن منه أن يذهب إليهم ليردهم عن ثورتهم لأنه أهله فهو من صميم الأنصار فأذن له يزيد فذهب إليهم، اجتمع مع زعماء المدينة وحذرهم من مغبة العصيان وخوفهم من جيوش الشام، ولكنهم رفضوا وقال لهم النعمان كلامًا وقع بعدها تمامًا كما قال رضي الله عنه .
عاد النعمان إلى يزيد بالخبر وعندها جهز يزيد جيشًا كبيرًا يقدر بعشرين ألفًا، جعل على قيادته رجلاً غدرشمًا جاهلاً هو مسلم بن عقبة المري الذي سماه السلف [مسرف] وعندما علم النعمان بخبر توليه هذا الرجل الغاشم فذهب إلى يزيد، وقال له: [يا أمير المؤمنين ولِّنِي عليهم أكفك] فقال يزيد: [لا ليس لهم إلا هذا الغشمة [يعني مسلم بن عقبة]، وكان عبد الله بن جعفر حاضرًا فقال ليزيد] أرأيت إن رجعوا إلى طاعتك أيقبل منهم ؟ فقال يزيد: [إن فعلوا فلا سبيل عليهم] .
وصى يزيد قائده مسلم بن عقبة بأن يؤجل القوم ثلاثًا فإن رجعوا إلى الطاعة فاقبل منهم وكف عنهم وإلا فقاتلهم والمدينة مباحة ثلاثة، وإذا فرغ من المدينة يتوجه بعدها لقتال ابن الزبير بمكة لينتهي بذلك من ثورة الحرمين عليه .
وصلت الأخبار لأهل المدينة بقدوم جيش الشام، فشددوا حصارهم على بني أمية وهددوهم بالقتال إذا دلوا على عورات المدينة لجيش الشام ثم أخرجوهم جميعًا بعد أن أقسموا على ذلك، وفي الطريق التقى معهم مسلم بن عقبة، وأخذ في سؤالهم عن عورة المدينة، ومن أين تؤتى فرفض أولهم وكان عمرو بن عثمان فرفض أن يدله على شيء للعهود والأيمان فهددهم مسلم بن عقبة بالقتل جميعًا إذا لم يدلوا على عورة المدينة فاضطر عبد الملك بن مروان أن يخبره عن عورة المدينة فاكتفى بإجابته عن سؤال باقي بني أمية، وعد ذلك عيب وغدر من عبد الملك بن مروان، ولكنه كان مكرهًا مضطرًا على ذلك، والله أعلم .
كان أهل المدينة قد استعدوا للقتال، وجعلوا عليهم قائدين، عبد الله بن حنظلة الغسيل على الأنصار وعبد الله بن مطيع على المهاجرين، وهذا طبعًا هو أول الوهن لأنه لابد من قائد واحد يرجع إليه، ثم قاموا بعمل خندق حول المدينة على نمط خندق الأحزاب، وقسموا الجيش لأربعة أجزاء، وجاء جيش أهل الشام يوم الأحد 25 ذي الحجة ودعا أهلها ثلاثة أيام، وهم يأبون إلا المحاربة، ولما كان يوم الأربعاء 28 ذي الحجة، قال لهم [يا أهل المدينة مضت الثلاثة، وإن أمير المؤمنين قال لي إنكم أهله وعشيرته وأنه يكره إراقة دمائكم فماذا أنتم صانعون؟ أتسالمون أم تحاربون؟ قالوا: بل نحارب، فقال : [لا تفعلوا بل سالموا ونجعل جدنا وقوتنا علي ابن الزبير، فقالوا : يا عدو الله لو أردت ذلك لما مسكناك منه أنحن نزركم تذهبون فتلحدون في بيت الله الحرام] ثم تأهبوا للقتال .
اشتعل القتال بين الفريقين، وكان جيش الشام أضعف أضعاف جيش أهل المدينة وأكثر سلاحًا ونظامًا، فكانت النتيجة الطبيعية هي هزيمة أهل المدينة هزيمة منكرة، وقتل الكثير من سادتها وأعيانها ولما انهزم أهل المدينة صاحت النساء وللصبيان فقال ابن عمر [لعثمان ورب الكعبة]، وقتل العديد من الصحابة مثل معقل بن سنان والمسور بن مخرمة وبلغ عدد القتلى سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار ومن مواليهم الكثير وأسرف [مسرف بن عقبة في سفك الدماء، ولكن خبر إباحة المدينة ثلاثة أيام، والذي ورد في تاريخ الطبري وتابعه عليه المؤرخون بعده، فقد بينا بطلانه، وهو موجود في باب أغاليط تاريخية مشهورة في ذاكرة الأمة فليراجع .
كانت هذه المعركة سببًا لجرح لم يندمل بعدها لمئات السنين بين أهل الشام وأهل الحجاز وثارت بسبب تلك المعركة عصبية قبلية بني عرب الحجاز والشام أدت في النهاية لسقوط الدولة الأموية نفسها .
لقد أخطأ أهل المدينة في ثورتهم ضد يزيد، وأخطأ يزيد عندما رماهم بهذا الرجل الغشوم الظلوم مسرف بن عقبة

