صفحات منسية

وفاة صاحب الحلية

الزمان/ 20 محرم – 430هـ

المكان/ أصبهان

الموضوع/ وفاة أبو نعيم الأصبهاني الإمام الحافظ الثقة

ترجمته  :

مفكرة الإسلام : هو أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الإمام الحافظ الثقة، العلامة شيخ الإسلام أبو نعيم المهراني الأصبهاني الصوفي الأحول، سبط الزاهد محمد بن يوسف البناء وصاحب الحلية، ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة .

كان أبوه من علماء المحدثين والرحالين؛ فاستجاز له جماعة من كبار المسندين؛ فأجاز له من الشام ومن واسط ومن بغداد، وسمع من أبي إسحاق بن حمزة وأبي القاسم الطبراني، وخلق كثير بأصبهان، وعدة بالكوفة، وخلق بنيسابور، وغيرهم بمكة .

عمل معجم شيوخه وكتاب الحلية والمستخرج، وكان حافظا مبرزا عالي الإسناد تفرد في الدنيا بشيء كثير من العوالي، وهاجر إلى لقيه الحفاظ، قال عنه أبو بكر الخطيب: لم أر أحدا أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين أبو نعيم الأصبهاني وأبو حازم، قال ابن المفضل الحافظ: جمع شيخنا أبو طاهر السلفي أخبار أبي نعيم وذكر من حدثه عنه وهم نحو الثمانين وقال: لم يصنف مثل كتابه حلية الأولياء سمعناه من أبي المظفر القاساني عنه سوى فوت يسير .

قال أحمد بن محمد بن مردويه: كان أبو نعيم في وقته مرحولا إليه، ولم يكن في أفق من الآفاق أسند ولا أحفظ منه، كان حفاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده، فكان كل يوم نوبة واحد منهم يقرأ ما يريده إلى قريب الظهر، فإذا قام إلى داره ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزء، وكان لا يضجر لم يكن له غذاء سوى التصنيف والتسميع، قال حمزة بن العباس العلوي: كان أصحاب الحديث يقولون: بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير لا يوجد شرقا ولا غربا أعلى منه إسنادا ولا أحفظ منه، وكانوا يقولون: لما صنف كتاب الحلية حمل الكتاب إلى نيسابور حال حياته فاشتروه بأربعمائة دينار .

قال أبو طاهر السلفي: سمعت أبا العلاء محمد بن عبد الجبار الفرساني يقول حضرت مجلس أبي بكر بن أبي علي الذكواني المعدل في صغري مع أبي، فلما فرغ من إملائه قال إنسان: من أراد أن يحضر مجلس أبي نعيم فليقم، وكان أبو نعيم في ذلك الوقت مهجورا بسبب المذهب وكان بين الأشعرية والحنابلة تعصب زائد يؤدي إلى فتنة، وقيل وقال وصداع طويل، فقام إليه أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام وكاد الرجل يقتل، قلت: ما هؤلاء بأصحاب الحديث بل فجرة جهلة أبعد الله شرهم .

قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر ذكر الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد الأصبهاني عمن أدرك من شيوخ أصبهان أن السلطان محمود بن سبكتكين لما استولى على أصبهان أمر عليها واليا من قبله ورحل عنها، فوثب أهلها بالوالي فقتلوه، فرجع السلطان إليها وأمنهم حتى اطمأنوا، ثم قصدهم في يوم الجمعة وهم في الجامع فقتل منهم مقتلة عظيمة، وكانوا قبل ذلك منعوا الحافظ أبا نعيم من الجلوس في الجامع، فسلم مما جرى عليهم وكان ذلك من كرامته .

قال الخطيب: قد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها منها: أن يقول في الإجازة: أخبرنا من غير أن يبين، قال الحافظ أبو عبد الله ابن النجار: جزء محمد بن عاصم قد رواه الأثبات عن أبي نعيم، والحافظ الصادق إذا قال: هذا الكتاب سماعي، جاز أخذه عنه بإجماعهم، قلت: قول الخطيب: كان يتساهل إلى آخره، هذا شيء قل أن يفعله أبو نعيم، وكثيرا ما يقول: كتب إلي الخلدي، ويقول: كتب إلي أبو العباس الأصم، وأخبرنا أبو الميمون بن راشد في كتابه، ولكني رأيته يقول في شيخه عبد الله بن جعفر بن فارس الذي سمع منه كثيرا وهو أكبر شيخ له: أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قرئ عليه، فيوهم أنه سمعه، ويكون مما هو له بالإجازة، ثم إطلاق الإخبار على ما هو بالإجازة مذهب معروف قد غلب استعماله على محدثي الأندلس وتوسعوا فيه، وإذا أطلق ذلك أبو نعيم في مثل الأصم وأبي الميمون البجلي والشيوخ الذين قد علم أنه ما سمع منهم بل له منهم إجازة كان له سائغا والأحوط تجنبه .

حدثني أبو الحجاج الكلبي الحافظ أنه رأى خط الحافظ ضياء الدين، قال: وجدت بخط أبي الحجاج بن خليل أنه قال: رأيت أصل سماع الحافظ أبي نعيم لجزء محمد بن عاصم، قلت: فبطل ما تخيله الخطيب وتوهمه وما أبو نعيم بمتهم بل هو صدوق عالم بهذا الفن ما أعلم له ذنبا والله يعفو عنه أعظم من روايته للأحاديث الموضوعة في تواليفه ثم يسكت عن توهيتها .

قال الحافظ أبو زكريا يحيى بن أبي عمرو سمعت أبا الحسين القاضي سمعت عبد العزيز النخشبي يقول لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بن أبي أسامة بتمامه من أبي بكر بن خلاد فحدث به كله، فقال الحافظ ابن النجار: قد وهم في هذا فأنا رأيت نسخة الكتاب عتيقة وخط أبي نعيم عليه، يقول: سمع مني فلان إلى آخر سماعي من هذا المسند من ابن خلاد ويمكن أن يكون روى الباقي بالإجازة، ثم قال: لو رجم النجم جميع الورى لم يصل الرجم إلى النجم .

قلت كان أبو عبد الله بن مندة يقذع في المقال في أبي نعيم لمكان الاعتقاد المتنازع فيه بين الحنابلة وأصحاب أبي الحسن ونال أبو نعيم أيضا من أبي عبد الله في تاريخه وقد عرف وهن كلام الأقران المتنافسين بعضهم في بعض نسأل الله السماح، وقد نقل الحافظان ابن خليل والضياء جملة صالحة إلى الشام من تواليف أبي نعيم ورواياته، أخذها عنهما شيوخنا وعند شيخنا أبي الحجاج من ذلك شيء كثير بالإجازة العالية كالحلية والمستدرك على صحيح مسلم مات أبو نعيم الحافظ في العشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربع مائة وله أربع وتسعون سنة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى