صفحات منسية

قيام الجمهورية العراقية ـ لعبة الأمم

الزمان / 27 ذي الحجة ـ 1377 هـ .

المكان / بغداد ـ العراق .

الموضوع / سقوط الحكم الملكي بالعراق وقيام الجمهورية القومية مكانها .

الأحداث /

مقدمة :

مفكرة الإسلام : في منتصف القرن العشرين الميلادي وفي الخمسينات على وجه التحديد قررت أمريكا أن ترث النفوذين الإنجليزي والفرنسي في منطقة الشرق الوسط لتحقق نفس الأهداف التي كان يحققها هذان النفوذان، ولكن وإن اتفقت أمريكا مع انجلترا وفرنسا في الأهداف إلا أنها اختلفت معها في الاستراتيجية والتكتيك والأسلوب حيث قامت أمريكا بما يعرف بلعبة الأمم التي كانت تقوم على إحداث التغيير المطلوب بواسطة النخبة الوطنية أي بطريق غير مباشر، وكان أقوى هذه الأسلحة هو سلاح الجيش فتخصص الأمريكان في صناعة الانقلابات العسكرية خاصة في تلك المنطقة وفي كل مرة كانوا يستفيدون من أخطائهم السابقة حتى يصلوا لمرحلة الكمال في تنفيذ مخططاتهم ومن أمثلة تلك الانقلابات .

وانقلاب إيران سنة 1338 هـ .

وانقلاب تركيا سنة 1326 هـ .

انقلاب سوريا [حسني الزعيم] 1368 هـ .

انقلاب مصر [جمال عبد الناصر] سنة 1376 هـ .

وفي كل مرة كان الجيش يقوم بالمهمة، ولكن لماذا يفضل الأمريكان الجيش عن تنفيذ الانقلابات ؟

1 ـ لأنه أسرع في الوصول للحكم وأكثر شغفًا بالسلطة .

2 ـ لأنه أسرع في تلبية الأوامر الخارجية والالتزام حرفيًا بها، فهكذا علمتهم الحياة العسكرية .

3 ـ لأن قبضته أقوى بالنسبة لأي معارضة أو مقاومة داخلية .

4 ـ أن الطبقة العسكرية في أغلبها أدت إعدادًا خاصًا يجعلها علمانية وغربية الميول لا تستنكف الانحلال لنفسها أو لغيرها، ومن ثم فهي أنسب الفئات لتنفيذ خطط الإبعاد عن الإسلام، وبذلك تزيح أي احتمال لتقدم عناصر متدنية نحو القيادة .

وهذه واحدة من فصول لعبة الأمم الشهيرة .

الأوضاع داخل العراق :

كانت العراق ضمن أملاك الدولة العثمانية حتى قيام الحرب العالمية الأولى، والتي انتهت بهزيمة الدولة العثمانية، وسقوط معظم أملاكها تحت الاحتلال الإنجليزي والفرنسي، كانت العراق من نصيب انجلترا عند التقسيم وذلك سنة 1335هـ، واندلعت الثورات الداخلية ضد الاحتلال الإنجليزي، ووقف اليهود والنصارى داخل العراق بجانب المحتل الإنجليزي للاتفاق في العقيدة وبغض المسلمين، وعانى الإنجليز من ضراوة المقاومة العراقية داخل البلاد، مما جعلهم يفكرون في تنصيب رجل موال لهم ملكًا على العراق ووقع الاختيار على فيصل بن الحسين، وذلك في 18 ذي الحجة سنة 1339 هـ .

ظلت الملكية قائمة بالعراق على ولائها للإنجليز طيلة تسعة وثلاثين سنة قادت فيها النخبة السياسية بالعراق البلاد لحالة من التدهور والعزل عن باقي البلدان الإسلامية والموافقة على كل ما تمليه عليهم انجلترا وأمريكا من بعدها ودلت في أحلاف مشبوهة ومريبة مثل حلف بغداد .

أصبح الساسة العراقيون فئة خاصة همها المحافظة على مصالحها الشخصية المادية ومكاسبها السياسية وهذا أدى لزيادة انعزالهم عن الشعب العراقي وزيادة نقمة الناس عليهم خاصة الشباب منهم الذين تأثروا بالدعوة القومية التي بدأت تنتشر كالنار في الهشيم خاصة بعد نجاح ثورة الضباط الأحرار بمصر بمساعدة أمريكية قوية، وأصبحت التجمعات القومية هي المحركة للشارع وأخفيت صفة التقدمية على أتباعها والرجعية على من خالفها .

جاءت قضية فلسطين وحرب 48 ومشاركة العراق بالقتال ولم تكن هناك أوامر بالتقدم في ساحات القتال إذ كانت القيادة العامة للحرب برئاسة [جلوب] الإنجليزي حتى شاعت على الألسن باللهجة العراقية العامية [ماكو أمامر] ورجع الجيش العراقي من فلسطين بعد أن أعلنت الهدنة سنة 1368 هـ، وكان لهذه العودة أثرها السيئ في نفوس الشعب .

وقع العدوان الثلاثي على مصر سنة 1376 هـ، ورغم الشجب العراقي للعدوان إلا أن الواقع كن فيه شيء من الشماتة فأثر ذلك في نفوس الشباب وأخذ الغيظ والحقد يغلي كالمرجل .

وقع الخلاف بين مصر وسوريا من جهة والعراق من جهة أخرى، حول حلف بغداد، وأصبحت إذاعات دمشق والقاهرة تهاجم بغداد وكان الناس خاصة الشباب يرددون ما تذيعة دمشق والقاهرة من أفكار .

الجيش يغلي :

نظرًا لأن السياسة العراقية كانت تسير في ركاب الإنجليز فهي كانت تهمل دومًا تنمية جيوشها وتقوية قدراتها لن ذلك لا يرضى عنه السادة الإنجليز، وهذا الإهمال إضافة لنكسة حرب فلسطين أججت المشاعر عند ضباط الجيش خاصة أصحاب الرتب الصغيرة والمتوسطة الذين هم عماد الجيش ونواته الأساسية .

وقد بدأ العمل داخل الجيش منذ عودته من حرب فلسطين الخاسرة لما رآه الضباط من عدم جدية القتال وضعف الجيش المرسل للقتال، وأن الساسة العراقيين قد اشتركوا في ضياع فلسطين .

تنظيم الضباط الأحرار :

كان أول نواة لتنظيم عسكري داخل الجيش بقيادة الرائد رفعت الحاج سري، ومع أنه كان ذا رتبة متوسطة إلا أنه كان يتمتع باحترام كبير من الجميع لأخلاقه العالية وسلوكه القويم، وبدأ في الاجتماع منذ سنة 1372 هـ عقب نجاح ثورة يوليو بمصر وانضم له مجموعة من الضباط كان له ميول شتى ولا يجمعهم فكر واحد فمنهم الشيوعي، ومنهم القومي، ومنهم الإسلامي، والذي يجمعهم هو معارضة الوضع الغاشم وأطلقوا على أنفسهم اسم الضباط الأحرار مما يوضح أثر ثورة يوليو عليهم .

تنبه القادة لوجود هذا التنظيم فأخذوا في تفكيكه في طريق نقلهم من أماكنهم إلى أماكن أخرى وتعيين بعضهم كملاحق عسكري بالسفارات بالخارج مما جع لقيادة التنظيم تنتقل من رفعت الحاج سري إلى آخرين، وينقسم هذا التنظيم لعدة مجمعات لتسهيل الحركة .

تشكلت مجموعات جديدة للمعارضة داخل الجيش من رحم التنظيم الأول منها مجموعة بغداد والمنصور تحت إمرة عبد الكريم قاسم، ومجموعته الناصرية بقيادة شاكر محمود ومجموعة الموصل بقيادة محمود عزيز، ومجموعة الديوانية بقيادة إسماعيل علي .

حاول الضباط الأحرار الاتصال بالأحزاب المعارضة للاستفادة من كوادرها وخبراتها التنظيمية ولكن في النهاية رضوا بأن تكون الحركة عسكرية خالصة حتى لا يملي عليهم أحد شروطه للانضمام وأعدا ما يسمى بميثاق العمل الوطني الذي يقوم أساسًا على إعلان الجمهورية وإلغاء الملكية .

محاولات الانقلاب الفاشلة :

حاول التنظيم القيام بعدة محاولات للانقلاب على الملك، ولكنها باءت جميعًا بالفشل ومنها :

1 ـ محاولة عبد الكريم قاسم سنة 1376 هـ، أثناء الاحتفال بعودة بعض فرق الجيش من فلسطين ولكنها فشلت لعدم حضور الملك وأعوانه .

2 ـ محاولة رفعت الحاج سري في سنة 1377 هـ .

3 ـ محاولة في 22 شوال سنة 1377 هـ، ولكنها ألغيت لعدم حضور نوري السعيد رئيس الوزراء العميل .

4 ـ محاولة في 11 ذي القعدة سنة 137 هـ، وصفها المقدم عبد الغني الراوي بمنتهى الدقة والإحكام، ولكن قادة التنظيم رفضوها .

الانقلاب العسكري وإلغاء الملكية :

بعد عطلة عيد الأضحى مباشرة وفي 13 ذي الحجة سنة 1377 هـ، صدرت الأوامر للواء العشرين من الفرقة الثالثة التي يقودها الفريق غازي الداغستاني والمعسكر في شمال شرق بغداد بالتحرك في يوم 27 ذي الحجة إلى الأردن للوقوف في وجه هجمات اليهود على الأردن، وعندها شعر قادة الثورة أن الوقت قد حان لتنفيذ ثورتهم وانقلابهم ضد الملك وأعوانه .

تولى قيادة العمليات منذ ذلك الحين رجلان فقط لا غير هما عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، وقد أخفيا الموعد المحدد لقيام الثورة، لضمان عدم تسرب الأخبار وفي يوم 26 ذي الحجة قام كلاهما بزيارة بغداد وتحديد مسار الثورة ومهام التنفيذ .

في يوم 27 ذي الحجة سنة 1377 هـ، تحرك اللواء العرشين بقيادة عبد السلام عارف الذي أصدر أوامره باعتقال كل القادة العسكريين من غير تنظيم الضباط الأحرار وعين مكانهم ضباطًا من التنظيم ثم أصدر عدة أوامر، وهي :

أ ـ يتسلم العقيد عبد اللطيف الدراجي قيادة اللواء إضافة إلى قيادة الكتيبة الأولى التي تكلف باحتلال الإذاعة ومركز الشرطة في الباب جنوب بغداد وتتصل مع الضباط الأحرار في معسكر الرشيد .

ب ـ يعين المقدم فاضل محمد علي قائدًا للكتيبة الثالثة المكلفة باحتلال الكرخ بالتعاون مع معسكر الرشاش الذي يقوده عبد الرحمن عارف [أخو عبد السلام عارف] .

جـ ـ تكلف الكتيبة الثانية بقيادة المقدم عادل جلال باحتلال وزارة الدفاع وحصار الديوان الملكي وشل حركة الحرس الملكي .

د ـ يتوجه الرائد عبد الجواد حامد على رأس راية سرية خاصة لحصار قصر الرحاب حيث يقيم الملك فيصل الثاني، وولي عهده الأمير عبد الإله، ويتوجه الرائد بهجت سعيد إلى قصر نوري السعيد رئيس الوزراء للقبض عليه .

وبهذه الخطة المحكمة استطاع عبد السلام عارف إحكام قبضته على بغداد، وتوجه إلى مبنى الإذاعة وألقى بيان الثورة [تمامًا مثلما فعل السادات في ثورة يوليو]، وفي هذه الأثناء كان عبد الكريم قاسم ينتظر سير الأمور في معسكر المقدادية حيث كان قائدًا للواء التاسع عشر فلما بلغه احتلال عبد السلام عارف لبغداد لحق به وسمع من مذياع سيارته صوت عبد السلام عارف وهو يلقي بيان الثورة، وإعلان قيام الجمهورية العراقية.

خرجت مظاهرات التأييد تملأ شوارع العاصمة والمدن الأخرى غذ كان العهد الملكي مكروهًا من الجميع لممالأته الصريحة للإنجليز، وجاءت قوات أمريكية إلى لبنان لحماية الوضع وأخرى إنجليزية إلى الأردن وقامت الثورة بتصفية الملك فيصل الثاني، وولي عهده عبد الإله، أما نوري السعيد فقد هرب مدة يومين ثم انكشف أمره فقام بالانتحار، ونقلت جثته إلى وزارة الدفاع ثم دفنت، ولكن العامة نبشوا القبر وأخرجوا الجثة ومثّلوا بها .

رحبت بالحركة الانقلابية الدول العربية التي تسير في فلك أمريكا تحت شعر الفكر القومي الوحدوي ورحب بذلك خصوم الملكية، وخصوم السياسة الإنكليزية، وانتظمت انجلترا حتى هدأت الأوضاع وأخذت في تفتيت التحالف الثوري، فحرّكت ضد الإسلاميين وأثارت الفئات عليهم وأظهرت للشيوعيين أن اللعبة أمريكية وأظهرت للوطنيين ارتباط الحركة بالخرج، وبالفعل بدأ الخلاف يبدأ بين أفراد الانقلاب وهذا ما أظهرته الأيام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى