صفحات منسية

تأسيس جامعة الدول العربية ـ صنم القومية

الزمان/ 8 ربيع الآخر ـ 1364هـ

المكان/ القاهرة ـ مصر.

 

الموضوع/ إعلان قيام ‘جامعة الدول العربية’ على أساس قومي.

 

الأحداث/ …

 

مفكرة الإسلام: المشكلة الحقيقية التي تواجه المسلمين في حربهم التي لم يختاروها وإنما فرضت عليهم فرضًا … إن المسلمين رغم طول الصراع وتنوع أساليبه وكثرة أطرافه ووضوح المشاركين فيه، ما زالوا على جهل كبير بطبيعة هذه الحرب وهذا الصراع، ويجهلون كثيرًا من مواطن القوة لدى عدوهم وكذلك الضعف، في حين أن الطرف الآخر من الصراع يديره وهو على بينة تامة بمن يصارع ويحارب، فأعداء الإسلام عندما فشلوا في حرب المسلمين في ميدان القتال المفتوح الظاهر، عكفوا ولفترات طويلة يدرسون ويتأملون مواطن القوة وعوامل الصمود وأسباب البقاء رغم الحملات الشرسة المتتابعة على هذه الأمة.

 

 

وبعد فترة من الدراسة والتأمل وجدوا أن مصدر قوة هذه الأمة وسر بقائها وصمودها يرجع إلى تمسكها بعقيدتها النقية الصافية، فتحولت دفة الصراع والحرب إلى ميادين أخرى، عملوا على صرف المسلمين قدر استطاعتهم عن بنود وثوابت العقيدة الإسلامية، وذلك بشعارات زائفة، وأوهام كاذبة ووعود براقة، لينسلخ المسلمون شيئًا فشيئًا عن سربال قوتهم ودرعهم الحصين، وكانت مسألة الولاء والبراء من أكثر الأمور تعرضًا للتشويه والحرب؛ لأن الولاء والبراء هو البند العقائدي الذي يحدد للمسلم أخاه من عدوه ويحدد له طبيعة الصراع وخندق الحلفاء وخندق الأعداء، والبند الذي يجمع المسلمين تحت راية واحدة، ويوحد جهودهم واتجاههم، بدلاً من رايات كثيرة تتفرق معها الجهود، وتتشابك معها المسارات، فتتعطل في النهاية كل الجهود.

 

ولقد نجح أعداء الإسلام في اختراع بديل جاهلي زائف للولاء والبراء، وابتدعوا راية جديدة، يتفرق معها المسلمون شذر مذر، فيسهل بعدها أخذهم وأكلهم، هذا البديل كان ما يطلقون عليه ‘القومية العربية’.

 

 

لماذا ظهرت فكرة القومية العربية؟

 

نستطيع أن نقول أن فكرة القومية العربية ظهرت كرد فعل لتيار القومية التركية ‘الطورانية’ التي ظهرت بالدولة العثمانية ‘تركيا’ في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، والتي تقوم في أساسها على تفوق الجنس التركي عن الجنس العربي، وكان ‘يهود الدونمة’ هم أساس تلك الفكرة الجاهلية، وقد أدت تلك الفكرة وهذا التيار لإقصاء العرب من معظم المناصب الهامة في البلاد رغم أن معظم أقطار الدولة العثمانية كانت عربية، وهذه الفكرة وهذا التعصب التركي المقيت أدى لظهور تيار العداء المقابل من جانب العرب للأتراك، وبدأ أعداء الإسلام يدركون طبيعة هذا العداء ومدى سوء العلاقة بين الطرفين، ومن ثم بدأت فكرة القومية العربية تختمر في عقول أعداء الإسلام لتقديمها للساحة العربية.

 

 

نشوء حركة القومية العربية:

 

نستطيع أن نقول بكل وضوح وصراحة أن نشأة حركة القومية العربية جاءت في الإرساليات التنصيرية الإنجيلية الأمريكية بالشام، حيث كانت أرض الشام مسرحًا للصراعات بين طوائف النصارى ‘الكاثوليك / البروتستانت’ على تنصير المسلمين، وشعرت الإرساليات الأمريكية بإهمال العثمانيين لتعليم اللغة العربية، فبدأت في الاهتمام باللغة العربية وآدابها كوسيلة للتقرب من عرب الشام، وفتحوا المدارس في لبنان على وجه الخصوص، ثم أنشأوا ‘الكلية السورية البروتستانتية’ سنة 1866م في بيروت وهي التي تدعى الآن ‘الجامعة الأمريكية’.

 

 

كان النصارى بالشام هم نواة الفكرة القومية وأول من دعا لها واستجاب لحبائل الإرساليات الإنجيلية وخصوصًا نصارى لبنان مثل ‘بطرس البستاني’ و’اليازجي’ و’أديب نقاش’ و’جرجي زيدان’ وغيرهم ممن تولى كبر تلك الحركة الشيطانية التي فرقت الأمة المسلمة لسنوات طويلة، وكان الدكتور ‘فانديك’ الأمريكي هو المسئول الأول عن هذا الرعيل الأول لحركة القومية العربية.

 

بدأت الحركة القومية بشكل أدبي بالاهتمام بآداب اللغة العربية وفنونها وبعث التراث العربي الفكري والعمل على رفع شأن اللغة العربية، وكان أنشطهم في هذا المجال ‘بطرس البستاني’ وولده ‘سليم’، وقد أصدرا العديد من الصحف بمساعدة أمريكية تدعو لفكرة القومية والوطنية مثل جريدة ‘نفير سورية’ و’المدرسة الوطنية’ و ‘الجنان’ وجعل شعارها ‘الوطنية من الإيمان’ و’بطرس البستاني’ هو صاحب القاموس المشهور والمتداول ‘ محيط المحيط’.

 

 

دخلت الحركة القومية التي نستطيع أن نصفها حتى هذا الوقت بالنصرانية، إلى طور العمل السياسي كفكرة مضادة لفكرة ‘الجامعة الإسلامية’ التي كان يدعو لها السلطان عبد الحميد الثاني، وشعر أعداء الإسلام بخطورة تلك الفكرة ومضاتها لمخططاتهم فعملوا على إبراز الحركة القومية العربية لتضاد جامعة المسلمين، فتم إنشاء ‘جمعية بيروت السرية’ سنة 1875م على يد خمسة من شباب خريجي الجامعة البروتستانتية الأمريكية، وانحصر نشاطها في لصق المنشورات في الشوارع منددة بمساوئ الحكم التركي.

 

لم تجد الحركة القومية العربية صدى في البلاد العربية بسبب أصلها النصراني وبقاء معظم البلاد العربية على ولائها للحكم العثماني، ولدور الحركة السلفية بالحجاز ونجد في التصدي لهذا الفكر المتعصب الجاهلي، وهذا الانحصار عمَّق من اتصال القوميين العرب بالشام مع الدول الأوروبية النصرانية خاصة فرنسا وإنجلترا، وقد ظهر هذا التعاون جليًا في دور الإنجليز في خداع ‘الشريف حسين’ أمير الحجاز للقيام بالثورة العربية الكبرى سنة 1916م والمراسلات الشهيرة تاريخيًا ‘الحسين / مكماهون’ وهذا التعاون يعكس عدم فهم هؤلاء المسلمين الذين انضموا لتلك الحركة القومية بطبيعة العداوة مع الاستعمار الأوروبي.

 

 

الجمعيات السرية:

 

شعر القوميون العرب بالتضييق الشديد عليهم من قبل رجال الاتحاد والترقي الحاكمين للدولة العثمانية مع ضعف الاستجابة الشعبية لهذه الفكرة الغريبة، فلجأوا للعمل السري بإنشاء العديد من الجمعيات السرية، ومن هذه الجمعيات:

 

[أ‌] الجمعية القحطانية سنة 1908م، وجمعية العهد سنة 1909م، وهما جمعيتان سريتان ضمتا الضباط العرب في الجيش العثماني، وتلخصت أهدافها في قيام دولة عربية موحدة لها برلمانها وحكومتها ولغتها في داخل الدولة العثمانية.

 

[ب‌] الجمعية العربية الفتاة سنة 1911م، وقد كونها العرب المقيمون بباريس وقد انتقلت إلى بيروت سنة 1913م، ولعبت دورًا مهما أثناء الحرب العالمية الأولى.

 

[ت‌] جمعية اللامركزية سنة 1912م، وقد نشأت في القاهرة، وكان من أهدافها إقامة نظام حكم لامركزي في الولايات العربية داخل الدولة العثمانية، وكان لها عدة فروع بسوريا والعراق، وكان المعتمد الإنجليزي على مصر ‘كتشنر’ على علاقة وثيقة بهذه الجمعية.

 

عقد القوميون العرب أول مؤتمر كبير لهم بباريس سنة 1913م بإشراف الجمعية اللامركزية، وقد حضر المؤتمر 14 عضوًا نصفهم من النصارى والباقي من المسلمين وكلهم من سوريا والعراق، وقد طالبوا في هذا المؤتمر بعدة مطالب كلها تصادمية مع القادة العثمانيين، مما أدى لفشل هذا المؤتمر، وهذا هو المخطط لها والمعد له سلفًا حتى يكون هذا الفشل مبررًا لقيام الثورة العربية الكبرى سنة 1916م.

 

 

إنشاء جامعة الدول العربية:

 

يعتبر وزير خارجية إنجلترا ‘إيدن’ هو صاحب فكرة الجامعة العربية والمدبر الأول لقيامها، والموحي بها في عقول الساسة العرب وقتها، وذلك بعد سنوات طويلة من نشر الفكر القومي على صعيد الوطن العربي وبعد غياب الخلافة العثمانية ووقوع معظم البلاد العربية تحت الاحتلال، وجاء بيان وزير الخارجية في 29/5/1941م معلنًا تأييد حكومته لآمال الوحدة العربية واستعدادها لمعاونة العرب على ذلك، وقال فيه: ‘إن كثيرين من مفكري العرب يرجون للشعوب العربية درجة من الوحدة أكبر مما هي عليه الآن، وحكومة صاحب الجلالة من ناحيتها ستؤيد كل التأييد أية خطة تلقى من العرب موافقة عامة’.

 

استقبل العرب والمسلمون هذا البيان بالفتور، مما دعا ‘إيدن’ لئن يصدر إعلانًا ثانيًا في فبراير 1943م يؤكد فيه مساعدة الدولة الإنجليزية لقيام الجامعة العربية، وهذا يؤكد على مدى الاستفادة الإنجليزية من قيام هذه الجامعة وهو ما كان جليًا عند أهل العلم والمخلصين، أن الاستفادة هي تمزيق العالم الإسلامي بشعارات جاهلية، ووضعه تحت السيطرة الكاملة، وقطع أواصر العقيدة في قلوب المسلمين بتحياد عقيدة الولاء والبراء من الواقع العملي للأمة المسلمة.

 

 

ونظرًا لوقوع مصر تحت الاحتلال الإنجليزي، ولقوة التيار التغريبي بها والذي عصف بأدمغة الكثيرين  من أبنائها، فلقد أخذت مصر بزمام المبادرة، وألقى رئيس وزرائها ‘مصطفى النحاس’ بيانًا أمام مجلس الشيوخ المصري بعد شهر واحد من بيان ‘إيدن’ يعلن فيه دعوة الحكومات العربية لإنشاء جامعة الدول العربية.

 

بدأت مباحثات الوحدة العربية بصورة ثنائية بين رئيس الحكومة المصرية وبين رؤساء الحكومات العربية الأخرى في المشرق العربي وانتهت هذه المشاورات بإعلان بروتوكول الإسكندرية في 7 أكتوبر سنة 1944م، وجاء في بدايته ليوضح مدى ما ستؤول إليه هذه الجامعة من الضعف والهوان كما نراه الآن، وكان من بنوده ما يلي:

 

[1] قرارات مجلس الجامعة العربية ملزمة لمن يقبلها فقط ‘أي من يعترض عليها لا تلزمه’.

 

[2] لا يجوز استخدام القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة ‘وهو ما برر للكويت أن يستغيث بأمريكا لإنقاذها من العراق’.

 

[3] لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية.

 

[4] الاعتراف بسيادة واستقلال الدول المنضمة إلى الجامعة بحدودها القائمة فعلاً وإلغاء فكرة الخلافة.

 

 

تم إدخال بعض التعديلات على بروتوكول الإسكندرية لاعتراض إنجلترا على بعض نقاطه التي تتعارض مع سياستها الاحتلالية خاصة بفلسطين، حيث كانت تمهد السبيل أمام اليهود لإعلان قيام دولتهم المشئومة، وتم إعلان قيام الجامعة العربية في 8 ربيع الآخر 1364هـ الموافق 22/3/1945م بعضوية سبع دول هي: [مصر، سوريا، لبنان، العراق، السعودية، شرق الأردن، اليمن]. ثم توالى الانضمام حتى وصل العدد 22 دولة.

 

واجهت الجامعة العربية أول اختبار عملي لها عند إعلان قيام دولة إسرائيل في 14/5/1948، وفشلت فيه فشلاً ذريعًا، حيث لم تستطع إنشاء قوة عسكرية موحدة لرد العدوان اليهودي وجاءت الهزيمة المروعة في حرب 48، وما زال مسلسل الإخفاقات يتوالى على هذه الجامعة التي أصبحت أشبه ما يكون بجامعة الضعف والذل والهوان، وغدت كائنًا خرافيًا أسطوريًا لا وجود له على الساحة ولا أثر، وذلك كله لأنها نشأت بفكرة صليبية ورعيت بأيدي صليبية وقامت بمساعدة صليبية، وهل يجلب العدو يومًا خيرًا إلى ضحيته.

 

وصدق العلي القدير عندما قال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ  وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55، 56].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى