التنمية المجتمعية والانتقال إلى مجتمع رقمي قوي – مجلة الإدارة اليوم

لم يعد بإمكان أي دولة تحقيق خطط التنمية المستدامة، دون امتلاك مجتمع قائم على المعرفة، والاقتصاد الرقمي القوي، ومن هنا فإن التحول الرقمي يعتبر أحد أهم قرارات الدولة المصرية التي من خلالها يمكن تحسين جودة حياة المواطن المصري.
وطبقا للاستراتيجية التي أطلقتها الدولة “رؤية مصر 2030″؛ والتي تمثل خارطة طريق نحو التنمية الشاملة، وتحقيق الازدهار والعدالة الاقتصادية والاجتماعية؛ فإن الدولة المصرية تستهدف بناء مجتمع رقمي قوي يسهم الانطلاق نحو الاقتصاد القومي.
ويمثل محور “بناء الإنسان” مدخلاً أساسيًا في الاستراتيجية الرقمية الوطنية الشاملة للدولة من أجل الانتقال إلى المجتمع الرقمي الذي يتمتع مواطنوه بفرص متساوية للمشاركة في عملية التنمية.
وانطلاقا من ذلك فإن مصر تسعى إلى إطلاق عدد من المبادرات والمشروعات القومية التي تهتم بتعزيز مجالات التنمية المختلفة اعتمادا على أحدث حلول وتطبيقات تكنولوجيا المعلومات، والتي تقوم على تنفيذ العديد منها الإدارة المركزية للتنمية المجتمعية بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية باعتبارها تعمل على دعم خطط الدولة في التنمية المجتمعية باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعميق المعرفة المجتمعية والتمكين التكنولوجي للمجتمعات المحلية.
وتؤمن الدولة المصرية بأن تحقيق التحول الرقمي يعد مسؤولية تشاركية بين كافة قطاعات الدولة المختلفة، حيث يتم إبرام عدد من بروتوكولات التعاون والشراكات المختلفة بين الجهات المعنية لتحقيق منظومة رقمية متكاملة وقوية.
ونحو توفير المزيد من الخدمات المجتمعية الرقمية في كافة مجالات التنمية؛ نستعرض في السطور القادمة أبرز المبادرات التي تستهدف المساهمة في تحقيق التحول الرقمي اعتمادا على الاستثمار الأمثل لحلول تكنولوجيا المعلومات.
التحول الرقمي الصحي من خلال مبادرة التشخيص عن بعد:
بتكليفات من السيد رئيس الجمهورية تقوم وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بدور فعال في رفع كفاءة وتطوير الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، حيث تشارك في تنفيذ المبادرة الرئاسية للتشخيص الطبي عن بعد، بالتعاون مع كل من وزارتي الصحة والتعليم العالي، وذلك بالتوسع في توفير عدد هائل من وحدات التشخيص عن بعد، من أجل تحسين جودة خدمات الرعاية الصحية باستخدام الحلول التكنولوجية، وزيادة فرص حصول المواطنين عليها خاصة في المناطق الأكثر احتياجاً، كما يتم خلال المبادرة رفع المستوى المهاري للأطباء والعاملين بالكادر الطبي من فنيين وإداريين في مجال التعامل مع تكنولوجيا المعلومات، وتحسين كفاءة إدارة موارد القطاع الصحي بشريًا وتكنولوجيًا، ذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية من أجل ضمان وصول الخدمات الطبية بسهولة إلى أكبر عدد من المواطنين في كافة أنحاء جمهورية مصر العربية.
وبناء على تلك الجهود فقد حصلت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على شهادة تقدير دولية خلال حفل جوائز القمة العالمية لمجتمع المعلومات (WSIS) في عام 2016 بجنيف، عن مشروع التشخيص الطبي عن بُعد كأحد المشروعات المتميزة التي تساهم في دفع جهود الحكومات من أجل دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية باستخدام أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كما أنه في العام التالي 2017، وصل المشروع إلى القائمة النهائية لترشيحات جائزة القمة العالمية لمجتمع المعلومات، فيما يعد خطوة أخرى نحو إثبات النجاح والجدارة عالمياً.
تطوير قدرات السيدات والفتيات لمواكبة التحول نحو المجتمع الرقمي:
تسعى مصر إلى تمكين المرأة وضمان حقوقها وزيادة مشاركتها الاقتصادية كأحد أهم أهداف التنمية المستدامة، ومن هنا يأتي انطلاق مبادرة (قدوة- تك) لتمكين المرأة المصرية كإحدى المبادرات القومية الساعية إلى استثمار الطاقات الإبداعية لدى المرأة وتوفير بيئة تساعدها على مزيد من الابتكار والريادة، من خلال برامج تدريبية تكنولوجية لبناء القدرات ومواكبة الاحتياجات والمتغيرات الرقمية، وتحقيق الإدماج الرقمي للسيدات والفتيات وتشجيعهن على الاستفادة القصوى من أدوات وحلول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
كما تتركز الجهود خلال المبادرة على التوعية بأهمية تعزيز الشمول المالي والرقمي للمرأة ومضاعفة مساهمتها في تنمية الاقتصاد القومي، والتحول إلى مجتمع رقمي تكاملي يسهم في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة في مصر.
وفي إطار التكامل بين الجهات المختلفة نحو تحقيق المجتمع الرقمي يتم التعاون مع الهيئة القومية للبريد المصري لتسويق منتجات سيدات قدوة-تك على المستوى المحلي وعلى مستوى قارة أفريقيا، من خلال موقع (البريد مول) التابع للهيئة، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي واتحاد البريد العالمي، لتفعيل التجارة الإلكترونية بين البلدان الإفريقية من خلال خدمات الشحن والتسويق.
كذلك تعمل مبادرة (قدوة- تك) على زيادة وعي الفتيات والبنات بالتطورات في المجالات التكنولوجية، وتزويدهن بالمهارات والمعارف اللازمة ليكن قادرات على التفوق والمنافسة في مجالات تعلم البرمجة وتصميم الروبوتات وريادة الأعمال التكنولوجية.
ومن خلال المبادرة فقد تبنت مصر من خلال الإدارة المركزية للتنمية المجتمعية بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نموذجاً غير تقليدي لتطوير وبناء قدرات المرأة المصرية وهو نموذج (الرائدة المعرفية) / (Info Lady)، الذي يدعم خلق بيئة عمل تنافسية صحية لرائدات الأعمال، من خلال العمل على انتقاء نماذج لسيدات طموحات من رائدات الأعمال في تلك المجتمعات، والعمل على تدريبهن وتوجيههن نحو استخدام تطبيقات تكنولوجيا المعلومات، إلى أن تتحول تلك السيدات ليقمن بدور الإرشاد والتوجيه لمجموعات أخرى من الحرفيات بما يحقق توسيع نطاق التدريب، وصولاً إلى خلق نموذج مستدام يساهم في خفض معدل البطالة.
الوصول إلى مجتمع المعرفة الرقمي:
وفي إطار خلق البيئة المناسبة لتعزيز مجتمع المعرفة كأحد سبل تسريع عملية التنمية المستدامة ومساعدة المجتمع على التحول الرقمي، تسعى مصر إلى بناء مجتمع رقمي متكامل يعمل على زيادة فاعلية وكفاءة القطاعات التنموية المختلفة، تكون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فيه جزءًا أساسيًا في الارتقاء بها.
ويتم ذلك من خلال مبادرة إثراء المحتوى العربي عبر منصات المعرفة المجتمعية (كنانة أونلاين) التي تعمل على تطوير العقلية المجتمعية بشأن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إنتاج ومشاركة المعارف ذات القيمة من أجل التنمية المجتمعية المستدامة، من خلال إتاحة المواقع والبوابات الإلكترونية المجانية حيث وصل عددها إلى أكثر من 240 ألف موقع وبوابة معرفية، بعدد 13 مليون مستخدم للبوابات، و1.4 مليون صفحة منشورة على الانترنت.
كما يحتوي المشروع على عدد من التطبيقات الإلكترونية التي تسهم في توظيف الكم الهائل من المعارف ليستفيد منها كافة أفراد المجتمع، ويعد أبرزها تطبيق (إدارة المعارف الزراعية بنظام الخبير)، والذي يستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتحويل المعارف الزراعية الموجودة عند الأكاديميين والخبراء باستخدام مناهج الهندسة المعرفية لتحويلها إلى شكل دليل إلكتروني خبير لحل المشكلات المتعلقة بالمجال الزراعي.
كذلك تشارك الإدارة المركزية للتنمية المجتمعية في مشروعات تستخدم الحلول التكنولوجية والذكاء الاصطناعي لمجابهة التحديات والحفاظ على مستقبل المياه في مصر، وتعزيز إدارة الموارد المائية بالشكل الأمثل، تكون فيها تكنولوجيا المعلومات أداة أساسية لرصد ومتابعة استهلاك المياه الجوفية والحد من الاستخدام الجائر لهذه المصادر، كما في مشروع (الإدارة الذكية للمياه الجوفية) بالتعاون مع الاتحاد الدولي للاتصالات، ووزارة الري والموارد المائية، والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
هذا إلى جانب تطوير خدمات إدارة المعرفة المقدمة بإدخال خدمات التصفح الإلكتروني لعدد من الجهات المتعاونة لتكون موائمة للتليفون المحمول (حيث تم بالفعل إطلاق باكورة تلك الخدمات من خلال تطبيق الهاتف المحمول لمجلة “حواء” الصحفية إحدى إصدارات مؤسسة دار الهلال في سبتمبر 2019)، تحقيقاً لاستدامة المحتوى والوصول إلى جميع المستفيدين.
كما يتم التوسع بشكل مستمر في المحتوى المعرفي وتسويقه إلكترونياً، إضافة إلى زيادة عدد ونطاقات موضوعات المحتوى لتشمل مجالات معرفية أكثر تنوعاً.
ومن خلال مشروعات التنمية التكنولوجية في المناطق الأكثر احتياجا والتي تستهدف تحقيق التنمية الشاملة المستدامة للمواطن المصري، يتم العمل على المساهمة في بناء مجتمع معرفي رقمي قائم على الإبداع والابتكار والتكنولوجيا ويتناسب مع مقتضيات التنمية المستدامة، وفي هذا الإطار يتم بناء وتهيئة وتطوير عدد من البوابات الإلكترونية للتنمية الشاملة لعدد من المحافظات المصرية، إضافة إلى بناء وتطوير قواعد بيانات لمشروعات ومبادرات ومؤسسات المجتمع المدني بتلك المحافظات.
التعلم الإلكتروني والتحول نحو المجتمع الرقمي:
تحظى أنشطة تدريب الكوادر البشرية باستخدام تقنيات التعلم الإلكتروني للتحول نحو المجتمع الرقمي باهتمام كبير من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حيث تسعى إلى سد الفجوة بين سوق العمل والشباب العاملين في قطاع المعرفة الرقمية والتكنولوجيا عن طريق تزويدهم بأحدث المهارات الفنية والتقنية التي يحتاجونها لإضفاء الفعالية والإنتاجية والتنافسية على قدراتهم، وذلك من خلال توفير محتوى تدريبي إلكتروني متميز، بشكل يخرج جيل قادر على الأداء المتميز وتلبية متطلبات سوق العمل محلياً وعالمياً.
ويجري التوسع بشكل مستمر في تدريب الكوادر البشرية العاملة في صناعة التعلم الإلكتروني، باعتماد عدد كبير من مراكز التعلم الاليكتروني من الجهات الحكومية وهيئات المجتمع المدني بالإضافة إلى اعتماد المدربين والإداريين، وبناء قدرات طلاب وخريجي وأعضاء هيئات التدريس من خلال برامج إنتاج المحتوى الالكتروني، بما يسهم في تحقيق الأهداف التنموية للحكومة المصرية ويرتقي بحياة المواطنين.
وختاما فإن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تسعى دوماً إلى تطوير نماذج لبرامج التنمية المجتمعية لتواكب منظومة التحول الرقمي وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، وتعمل على بناء أفضل الاستثمارات في هذا المجال بالشركة مع كافة الجهات في جميع القطاعات بما يسهم في إحداث تنمية مجتمعية شاملة ومستدامة.
م/ رحاب يحيى
نائب المدير الإقليمي لمشروع التنمية المجتمعية الشاملة
التابع لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
Source link